هذه هي حال لبنان .. “مخلوطه” مقال لطارق ترشيشي / الجمهورية

على رغم كل العقبات والصعوبات والاعتراضات التي برزت في وجه مبادرة الرئيس سعد الحريري الى الترشيح المبدئي لرئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، فإنّ بعض السياسيين يعتقدون أنّ المبادرة تعثرت، ولكنها لم تسقط. فيما سياسيون آخرون يؤكدون انها سقطت وان لا خيار امام الجميع الّا انتخاب رئيس توافقي.

ويرى هؤلاء السياسيون انّ نقطة القوة التي يمتلكها فرنجية هي ذاتها نقطة الضعف التي تواجه ترشيحه، فلدى نائب زغرتا مشكلتان عصيّتان على الحل أولهما موافقة حليفه رئيس التكتل الذي ينتمي اليه النائب ميشال عون وتياره السياسي، وثانيهما اعتراض القسم الاكبر من مسيحيي 14 آذار وفي طليعتهم رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع على هذا الترشيح.

ولكنّ الذين يدعمون ترشيح فرنجية علناً أو سراً يواجهون المعترضين عليه بسؤال: ما البديل؟

والحريري لم يكن لديه خلال مكالمته الهاتفية لجعجع سوى السؤال: ما البديل يا حكيم؟ هل من مصلحة لبنان ان يبقى بلا رئيس، واذا اعترضت على فرنجية هل انت مستعد للقبول بعون رئيساً؟

وهنا يقول السياسيون والمطلعون انّ جعجع ادرك عمق «المأزق» الذي يواجهه، فإذا لم يقبل بفرنجية عليه ان يقبل بعون. وبالتالي، ان يقبل بمجيء رئيس لديه حزب منتشر في كل لبنان وبينه وبين حزب «القوات اللبنانية» حساسيات تعود الى ربع قرن، الى حد انّ كثيرين يعتقدون انّ شعبية عون بين المسيحيين تعود في معظمها الى مواجهته لـ«القوات» التي مثّلت لكثير من المسيحيين «تسلّط» الميليشيات عليهم، تماماً كما كان أمر الميليشيات الأخرى في المناطق الأخرى من لبنان. واذا استمر جعجع في معارضته من دون تقديم البديل، فهذا يعني انه سيساهم في إطالة أمد الفراغ الرئاسي بكل ما يعنيه هذا الفراغ مارونياً ومسيحياً ولبنانياً من سلبيات معروفة لدى الجميع.

وفي المقلب الآخر يطرح داعمو فرنجية من حلفاء عون واصدقائه، سواء داخل تكتل «التغيير والاصلاح» الذي يترأسه، او خارجه، سؤالاً على عون نفسه هو: هل من مصلحة لبنان الذي نعرف كم تحبّه وكم انت حريص عليه ان يبقى بلا رئيس جمهورية وان تتحمّل انت من دون سواك مسؤولية هذا الواقع؟ ويضيف هؤلاء من دون اي محاولة لاستثارة عون قائلين له: «انّ فرنجية هو من خطك السياسي نفسه، لا بل هو Untitled-5_2_يعتبرك مرجعيته ورئيس التكتل الذي ينتمي اليه.

وبالتالي، فإنّ وصوله الى سدة الرئاسة يعني انّ للبلد رئيساً وزعيماً يتعاونان على تذليل كل الصعاب». ويردد هؤلاء على مسامع عون «انّ الرئيس كميل شمعون قد خرج من الرئاسة منذ العام 1958 لكنه بقي لأكثر من 30 عاماً الزعيم المسيحي الاقوى وبقيت صورته طاغية على كل مَن تعاقب على الرئاسة بمَن فيهم الرئيس القوي فؤاد شهاب الذي نجح شمعون وحلفه الثلاثي بهزيمته في جبل لبنان وفي معقله الرئيسي كسروان عام 1968».

ومن هنا، فإنّ الذين يرجّحون فرضية استمرار «المبادرة الحريرية» يعتقدون انّ الوقت سيعمل لمصلحة فرنجية وليس العكس، فكما فاز الرئيس السابق ميشال سليمان بالرئاسة بعد ثمانية أشهر من موافقة 14 آذار على ترشيحه في خريف 2007 يمكن لفرنجية ان ينتظر بضعة اشهر ايضاً، خصوصاً انّ التعقيدات الاقليمية التي ترافق التطورات الجارية في المنطقة ستجعله من نجاحه الأقلّ خسارة للاطراف المتنازعة في البلاد.

ويضيف هؤلاء السياسيون انّ حزب الله نفسه ليس مستعداً لأن يكرر سيناريو 7 أيار 2008 الذي أوجد شرخاً عميقاً بين المسلمين في لبنان، وأدى الى مؤتمر الدوحة والقبول بقائد الجيش آنذاك رئيساً وإرضاء عون بقانون الستين الانتخابي.

ولذلك، سيجد كل طرف من الاطراف الفاعلة محلياً في الاستحقاق الرئاسي نفسه مدعوّاً الى إعادة قراءة الوضع بكل تفاصيله وتعقيداته وليصِل الى نتيجة بضرورة انتخاب رئيس للجمهورية يحصّن لبنان من الرياح العاتية المحيطة به ويشكل ضماناً لجميع الاطراف، سواء كان حليفاً لهم او كان على خصومة معهم. وبالتالي، الرئيس القادر بعلاقته الوثيقة بالمقاومة وسوريا وايران ان يضمن لهم فترة رئاسية مريحة كذلك يضمن للفريق الآخر الذي رشّحه عدم السير في سياسة الانتقام لا داخل لبنان ولا حتى خارجه.

فإذا انتصر الرئيس بشار الاسد في سوريا فإنّ الشخص الأقدر على تخفيف آثار غضبه على السياسيين اللبنانيين ولا سيما المسيحيين منهم هو سليمان فرنجية، تماماً مثلما كان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله هو الزعيم الوحيد القادر على تهدئة غضب القيادة السورية على رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط والفصل بين موقفه المعارض للنظام السوري وموقفه المدافع عن المقاومة في لبنان.

امّا الذين يرجّحون فرضية سقوط «المبادرة الحريرية» فإنهم يؤكدون انها أسقطت معها جميع المرشحين الذين سمّوا أنفسهم، او سُمّيوا، «أقوياء»، وأن الخيار الامثل يبقى اتفاق الجميع على انتخاب مرشح توافقي

يعبر بلبنان المرحلة الصعبة التي يمر بها والمنطقة بأقلّ خسائر ممكنة الى حين حصول التسويات المرجوّة للأزمات الاقليمية المستمرة في التفجُّر ولم تبلغ خواتيمها بعد.

كل هذه التحليلات تشير الى أنّ أفضل ما يمكن ان نصف به الاوضاع في لبنان وحتى في المنطقة بـ»المخلوطة» التي بدأ بعض اللبنانيين يعتمدها هدية يقدّمها لأصدقائه في الخارج قائلاً لهم: «هذه هي حال لبنان… مخلوطة».

Leave a Reply