قصة موسى.. ونجاته من فرعون

قصة موسى.. ونجاته من فرعون

حال بني إسرائيل بمصر قبل مولد موسى

بداية وقبل مولد موسى عليه السلام، تسبب منام رأه فرعون مصر في استضعاف بني إسرائيل، فعن ابن عباس وعن مرة بن مسعود: أن فرعون رأى في منامه كأن ناراً أقبلت من جهة بيت المقدس فأحرقت دور مصر وجميع القبط ولم تضر هذه النار بني إسرائيل ، فلما استيقظ جمع الكهنة والسحرة لتأويل رؤياه (وكان تأويل رؤيا ملك مصر زمن يوسف عليه السلام  وأثره في حياة مصر والشعوب المحيطة بها زمن القحط عامل هام في التعامل الجاد مع الرؤى ذات البعد العام من جانب حكام مصر) فقالوا في تفسير المنام: يولد غلام من بني إسرائيل يكون سببا في هلاك أهل مصر، فأمر فرعون بقتل الغلمان وترك الإناث لاستخدامهن في خدمة القبط، وقد كان بنو إسرائيل مستضعفين في زمن هذا الفرعون، وكان من دواعي استضعافهم أنهم مخالفين للقبط في عبادة غير الله من الفراعنة والأوثان، حيث أعاد الكهنة والوثنيون أحوال الديانة في مصر لما قبل حكم عزيز مصر يوسف عليه السلام عزيزا، كما قال الله تعالى : ” {وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ }غافر34″.

نجاة هارون في عام المسامحة.. ونجاة موسى في التالبوت

  • ولما اشتد القتل في غلمان بني إسرائيل شكي القبط إلى فرعون طالبين أن يخفف من وطأة القتل في غلمان بني إسرائيل، مراعاة لمصالحهم وأعمالهم، فأصدر فرعون أمرا يوقف القتل عاما يسمى “عام المسامحة” ويستكمل القتل في العام التالي له ليكون القتل عاما من بعد عام، وقد ولد هارون عليه السلام- أخ موسى- في عام المسامحة.
  • بينما ولد موسى عليه السلام في “عام القتل” وفي هذا العام أمر فرعون القابلات المسئولات عن توليد النساء بتتبع بيوت بني إسرائيل وتحديد مواعيد الولادات المتوقعة على أن يصطحب القابلات مجموعة من الذباحين لقتل المواليد الذكور.

أمان موسى في بيت عدوه

  • لما حملت أم موسى فيه لم يظهر عليها علامة من علامات الحمل، فلم يطرق بيتها أحد لمتابعة حملها وقد ولدته وأرضعته قرابة ثلاثة شهور كما في بعض الأخبار حتى أمر الله لها بالإلهام أن تضعه في تابوت وتضع التابوت في بحر النيل ليكون أمانا له: {أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} طه39.
  • وقد ذكرت الأخبار أن ابنة فرعون كانت مصابة بالبرص في صورة شديدة فجمع لها فرعون الأطباء والسحرة ليعالجوها، فعجزوا عن علاجها ووصفوا لها يوما محددا لتنتظر ما يشبه الإنسان تأخذ من ريقه وتمسح موضع البرص فتشفى، وكانت ابنة فرعون في هذا اليوم تنتظر أي كائن حي تأخذ من ريقه لتستشفي به، وقد حملت المياه التابوت إلى الساحل الذي تنتظر به ابنة فرعون والتي تلقفت الصندوق هي وجواريها وحملنه إلى فرعون وزوجته آسية التي أبصرت وحدها نورا يخرج من التابوت أتاح لها فنح الصندوق دون كسره، فلما وقعت عيناها على موسى أحبته كما تحب الأم ابنها فقالت قرت عين لي ولك، (وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) سورة القصص/9.
  • ثم جاءت ابنة فرعون فوضعت أصبعها في فم موسى وأخذت من ريقه ومسحت به مواضع البرص فشفيت، وحينها خاف فرعون من شأن هذا الغلام وأتى بالذباحين لموسى لكن ابنة فرعون كان لها عند أبيها ثلاث طلبات يقضيها لها في كل يوم، فلما شفيت من علتها ببركة ريق موسى احتضنته في مواجهة الذباحين، بينما قالت زوجة فرعون لا تقتلوه ، وكان موسى أسمر اللون أجعد الشعر وأقنى الأنف  بينما كان أخاه هارون أبيض البشرة ومرسل الشعر، لذلك كانت حسابات فرعون أن هذه الملامح يمكن أن تكون لمصري ومادامت هذه الملامح قريبة للقبط وقد كان أمر القتل محددا في بني إسرائيل فلا ضير في تجاوز الاحتمالات، اعتبارا لطلب ابنته وزوجته التي استوهبته ليكون لها بمثابة الولد.
  • ولما حان أوان رضاع موسى وبكى فشلت كل المرضعات في إرضاعه حتى بحثوا في سوق المدينة عن مرضعة له وكانت أخته تتابعه وتتابع أخباره فقدمت نفسها على أنها من بيت مرضعة تبحث عن رضيع مقابل الأجرة فلما ذهبوا بموسى إلى أمه وقدموه لها لترضعه، التقم موسى ثدي أمه ورضع منها.
  • فعرضوا عليها الانتقال إلى قصر فرعون والإقامة به في نظير أن يجزلوا العطايا والأجر، فقالت إن لها زوج وأسرة لا تستطيع تركهم، فسمحوا لها باصطحاب موسى وإرضاعه حتى فطامه، وقد تربى موسى في قصر فرعون كأمير كما تربي يوسف في قصر العزيز كأمير، وكما قال الله في يوسف: {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }يوسف21 – قال الله في موسى ” {أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي }طه39 – وقد جاء في التفسير أن الصناعة هي الرباية والغذاء والكساء، حتى صار موسى أميرا في قصر فرعون يتباهى بنو إسرائيل أنهم أخواله عن طريق أمه بإرضاعها له.

اختبار الجوهرة والجمرة.. وآثاره في موسى وهارون

جاء في بعض الأخبار والتفاسير أن موسى جلس وهو طفل في حجر فرعون ذات يوم فأخذ بلحية فرعون فنتفها ولطم فرعون لطمة في حضرة من ملأه، فقال فرعون لزوجته آسية إن هذا عدوي وأمروا بالذباحين ليقتلوا موسى ، فقالت آسية: تمهل إنه لا يميز بين الجوهر والجمر، فأمر بطستين فجعلت في أحدهما جمراً وفي الآخر جوهراً، فأخذ جبريل عليه السلام بيد موسى على النار حتى رفع جمرة ووضعها في فيه على لسانه فكانت تلك العقدة أو اللثغة في لسانه، وقد تركت هذه الحادثة أثرها الحارق في يد موسى وعجز فرعون بما لديه من أطباء عن علاج  يد موسى، فلما كبر موسى وآتاه الرسالة عافاه الله مما في يده وزاده بأن جعل يده تخرج بيضاء من غير سوء  لا برص فيها ولا بهاق فكانت من آيات الله، لذلك لما سأل فرعون موسى إلى من تدعوني يا موسى، قال : إلى من أبرأ يدي وقد عجزت عنها، وقد شفع موسى لأخيه هارون ليشركه في أمره، لأنه أفصح منه لسانا بعد أثر الجمرة فيه، فقال تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً } مريم53.

عصا موسى.. من فزع فرعون إلى القضاء عليه

  • توجه موسى وهارون إلى قصر فرعون ودخلا عليه لدعوته لعبادة رب العالمين، فلما طلب فرعون برهانا يؤكد صدق الدعوة وإعجاز قدرة الله المدعو إليه، ألقى موسى عصاه فإذا هي ثعبان عظيم قد فتح فاه وقد فر منه فرعون وفزع حتى قيل إن فرعون أصابه إسهال عظيم بلغ أكثر من أربعين مرة في يوم فانقلبت حاله بعد أن كان في إمساك مزمن شديد.
  • وأدخل موسى في جيبه وأخرجها بيضاء من غير سوء، فاتهم فرعون موسى بالسحر وتحداه ليواجه سحرة مصر، وقد وعدهم بعظيم العطايا والأجر والاعتبار إن كانوا هم الغالبين، وتحدد يوم الزينة وهو يوم النيروز، وأن يتجمع الناس في وقت الضحى، وقد اجتمع كبار السحرة.
  • فبادر السحرة {فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ} الشعراء44، وانتظر موسى الأمر الإلهي فالمعجزة تكون بمشيئة الله وأمر منه {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} الأعراف117.
  • وقيل إن عصا موسى لما ألقاها صارت حية عظيمة لها قوائم ولها عنق عظيم فهرب الناس وتباعدوا عنها سراعا، وأقبلت على كل ما ألقى السحرة من حبال وعصي فابتلعتها، فأمن السحرة وخروا سجداً {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى }طه70 ، فآمنت آسية زوجة فرعون وأمن ستمائة ألف من بني إسرائيل بنبوة موسى وقد شاهدوا توبة السحرة وثباتهم على الحق برغم العذاب الذي أنزله بهم فرعون فكانوا أول من تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ثم صلبهم في جذوع النخل حتى ماتوا مؤمنين برب العالمين، وتلقى موسى أمر ربه بأن يخرج ببني إسرائيل من مصر فخرجوا إلى البحر ليلا.
  • ولما أشرق النهار لحق فرعون وجنوده الذين مليون ومائتي ألف بقوم موسى {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى} طه77، فأمر الله موسى أن يضرب بعصاه البحر فانكشف الماء عن قاع البحر حتى أصبح طريقا يابسة تشرق عليه الشمس ليفر عليها موسى وقومه من فرعون وجنوده {فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} الشعراء61 – {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} الشعراء62.
  • وبالرغم من هذه الكونية فقد تمادى فرعون، واستمر في مطاردة موسى وقومه، والبحر واقف على جانبي قاعه المكشوف للشمس كالجبل العظيم حتى عبر موسى وقومه بينما أطبق الماء على فرعون وجنوده من الجانبين {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ }الأنبياء77، وكانت خاتمة فرعون {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } يونس90، وكان جواب الله له {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ }يونس91 – {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} يونس92، صدق الله العظيم.

Leave a Reply