
جدّي الحنون…
في يومٍ من الأيام، في قريةٍ صغيرةٍ وادعة، عاش رجلٌ مسنّ يُلقّب بـ “جدي”. كان يقضي معظم وقته بين أفراد عائلته، يروي لأحفاده وأطفال القرية قصصًا من شبابه وحياته الماضية. لم تكن حكاياته وحدها هي ما يجذب الجميع إليه، بل كانت نظراته الحنونة وابتسامته الهادئة تحمل في طياتها عبق الماضي، وكأنها تحكي قصصًا لا تُروى بالكلمات.
عندما يتحدث جدي عن أيام زمان، كأنّ الزمان يعود إلى الوراء، وكأنّ الأشخاص والأحداث القديمة لا تزال تسكن أعماق قلبه.
لقاء الغروب
في أحد الأيام، وبينما كانت الشمس تغيب خلف الأفق وتغمر السماء بألوانها الذهبية والبرتقالية، اقترب حفيده “علي” منه. كان علي دائمًا متعطشًا لسماع حكاية جديدة من جده. جلس بجانبه وقال:
“جدي، اليوم كانت المدرسة مُغلقة، وأتمنى أن تروي لي قصة لم أسمعها من قبل.”
ذات صلة:
عندما أثمرت شجرة الأزرار السحرية
دروس من حكمة الجد
ابتسم الجد برفق، وأغمض عينيه، كأنه يسافر بذاكرته إلى عالمٍ بعيد. وبعد لحظة من الصمت، بدأ يقول:
“يا بُني، عندما كنت شابًا، كان العالم مختلفًا تمامًا. لم يكن في قريتنا كهرباء، وكان الناس يعتمدون على ينابيع الجبال لريّ أراضيهم. لكن أجمل ما في تلك الأيام هو روح التعاون بين الناس. كان الجميع يعمل يدًا بيد في مواجهة الصعاب.”
سأل علي، وقد بدت عليه ملامح التأمل:
“وكيف كنتم تتغلبون على تلك الصعوبات؟”
أجاب الجد بصوتٍ هادئ:
“كانت هناك أيام عصيبة، خاصةً عندما كانت الأراضي تجفّ والمحاصيل لا تنمو كما ينبغي. لكننا لم نفقد الأمل يومًا. بل اجتمع الفلاحون وقرروا إقامة احتفال صغير يرفع من معنويات الجميع. أحضر كل منهم ما استطاع: تمر، ألبان، وحتى ملابس قديمة. ورغم قلة الإمكانيات، شعرنا في تلك الليلة أننا أقوى ما نكون، متماسكين ومليئين بالأمل.”
ذكريات لا تُنسى
أصغى علي بتركيز، وأخذ يتساءل في نفسه: هل سأتمكن أنا أيضًا من مواجهة تحديات الحياة مثلما فعل جدي؟
ابتسم الجد وقال:
“يا علي، الحياة لن تخلو يومًا من الصعوبات، لكن الأهم هو أن تنظر إلى الوراء يومًا وتفخر بأنك واجهت كل شيء بقلبٍ مفعمٍ بالأمل ويدٍ لا تعرف الكلل. تذكّر دائمًا: لا شيء يُثمر في هذه الدنيا دون جهد، ودون محبة.”
هزّ علي رأسه وقال بثقة:
“أعدك يا جدي، سأعيش دائمًا بالأمل.”
نظر إليه الجد بعينين تمزج بين القلق والحنان، وقال:
“ذلك أجمل وعد يمكن أن يقدمه الإنسان لنفسه.”
عبرة للمستقبل
في تلك الليلة، أدرك علي أكثر من أي وقت مضى أن حكايات الجد لم تكن فقط عن الماضي، بل كانت دروسًا ثمينة للمستقبل. وتمنى من أعماق قلبه أن يصبح يومًا ما، مثل جده… رجلًا يملأ قلبه الأمل، ويواجه الحياة دومًا بابتسامة وثقة.
قم بكتابة اول تعليق