
الحمار والبقرة
كان يا ما كان، في قديم الزمان، كان هناك فلاح طيب يعيش في مزرعة جميلة في قرية هادئة. وكان يملك حمارًا رماديًا يستعمله للركوب، وبقرة قوية يعتمد عليها في شق الأرض وجرّ المحراث.
كان الفلاح كل يوم يأخذ البقرة إلى الحقل، ويشدّها إلى المحراث لتفلح الأرض تحت أشعة الشمس الحارة. وكانت تعمل من الصباح حتى المساء، ثم تعود إلى الحظيرة متعبة ومتألمة. أما الحمار، فكان يجلس في زاوية الحظيرة مستريحًا، لا يحمل إلا أحيانًا بعض الأكياس الخفيفة أو يُركب عليه الفلاح في طريقه إلى السوق.
وذات مساء، عادت البقرة منهكة من العمل. كانت تتألم من قدميها ومن كتفيها بسبب جرّ المحراث طوال اليوم. جلست في الحظيرة تتنهّد بحزن، وتنظر إلى الحمار الذي كان يتمدّد في راحته.
ذلت صلة:
عندما أثمرت شجرة الأزرار السحرية
جدّي الحنون… حكمة من الزمن الجميل
لاحظ الحمار حال البقرة فسألها:
“لماذا تبدين حزينة ومتعبة يا صديقتي؟”
ردّت البقرة بتأوّه:
“كيف لا أتعب؟ أعمل طوال النهار في الحرّ، أفلح الأرض، وأجرّ العربة، وأدور في الساقية، بينما أنت تنام وتسترخي. هذا ليس عدلاً!”
ابتسم الحمار وقال:
“لكننا جميعًا نعمل بطريقتنا. أنا أنقل أحيانًا بعض الحمولات وأُركب الفلاح، وأنتِ تفلحين الأرض. العمل شرف، أليس كذلك؟”
ردّت البقرة بيأس:
“أنت لا تشعر بما أعانيه. كلما كنتُ أقوى، كلما زادت حملي. بل وحتى حليبي يأخذونه، وإذا مرضتُ ربما يبيعونني للجزار!”
رقّ قلب الحمار لحالها، وقال بعد لحظة من التفكير:
“ماذا لو تظاهرتِ بالمرض؟ استلقي على جانبك صباحًا، وارفعي صوتك بالتأوّه. حينها لن يأخذك الفلاح إلى الحقل، وسترتاحين قليلاً.”
نظرت البقرة إليه بتردد وقالت:
“أتظن أن ذلك سينجح؟ أخشى أن يُضربوني أو يظنوا أنني سأموت فيبيعوني.”
قال الحمار:
“القليل من الضرب أهون من تعب النهار كله. جربيها ليوم واحد فقط، وإن لم تنجح، فلا تعيديها.”
فكّرت البقرة قليلاً، ثم قالت:
“حسنًا، سأجرب غدًا.”
في الصباح، عندما جاء الفلاح ليأخذ البقرة إلى الحقل، وجدها مستلقية على جانبها، تصدر أصوات أنين وتتظاهر بالمرض. حاول أن يُقيمها فلم تقم. أحضر الماء ولم تشرب. ظنّ الفلاح أنها مريضة حقًا، فقال:
“لا بأس، سأأخذ الحمار اليوم بدلاً عنها.”
سمع الحمار ذلك وشهق في نفسه:
“ماذا؟! أنا؟! كنت أحاول مساعدتها، والآن سأكون أنا مكانها!”
ربط الفلاح المحراث بالحمار، وأخذه إلى الحقل، وهناك بدأ يومًا شاقًا تحت الشمس، يجرّ الحديد الثقيل في الأرض الصلبة.
مع كل خطوة، كان الحمار يئنّ، ويقول لنفسه:
“يا لي من حمار حقًا! أردت أن أفعل خيرًا، فأوقعت نفسي في تعبٍ مضاعف!”
ولما شعر بالإرهاق الشديد، قرر أن يفعل مثل ما نصح البقرة. فتوقف في منتصف النهار، واستلقى على الأرض وأخذ ينهق ويتظاهر بالتعب.
لكن الفلاح غضب وقال:
“أيها الحمار الكسول! البقرة مريضة، وأنت أيضًا تتكاسل؟! لا فائدة منك! لا حليب، لا لحم، لا فائدة!”
ثم أخذ عصاه وبدأ يضربه، حتى اضطر الحمار أن ينهض ويُكمل العمل مُتألمًا.
وفي المساء، عاد الحمار إلى الحظيرة وهو يجرّ قدميه من التعب.
رأته البقرة وسألته:
“كيف كان العمل اليوم؟”
قال وهو يتنفس بصعوبة:
“لقد ندمتُ على نصيحتي! أردتُ مساعدتك فسبّبت لنفسي المصيبة. الحقول ليست كما ظننت، والشمس قاسية، والمحراث ثقيل!”
ثم أضاف بدهاء:
“لكن لدي خبر سيئ لك… سمعت الفلاح يقول إنه سيبيعك للجزار إذا لم تتحسني غدًا.”
صُدمت البقرة وقالت بسرعة:
“لا! لا! سأذهب إلى الحقل غدًا! العمل الشاق أهون من السكين!”
ابتسم الحمار وقال:
“أحسنتِ، العمل ليس عيبًا، والكسل لا يُنجي. وأنا جاهز دائمًا للمساعدة… لكن من الآن فصاعدًا، بدون نصائح!”
ضحكت البقرة، وقالت:
“لقد كنتَ حمارًا بحق، لكنك الآن أصبحت أكثر حكمة!”
وفي اليوم التالي، ذهبت البقرة إلى الحقل، والحمار بقي في الحظيرة، يراقبها وهي تمشي، ثم قال لنفسه:
“أحيانًا، على الحمار أن يصمت!”
تابعنا على Facebook
قم بكتابة اول تعليق