
الغراب الأبيض
كان يا ما كان، في قديم الزمان، وتحت السماء الزرقاء الصافية، كانت هناك غابة كبيرة يسكنها العديد من الطيور.
وعلى غصنٍ مرتفع من شجرة حور باسقة، بَنَتْ السيدة غراب والسيد غراب عشًا دافئًا وجميلاً، حيث كانا يعيشان بسعادة مع أطفالهما الثلاثة:
ريشة سوداء، وطرف أسود، وسوادي، وكان أصغرهم وأكثرهم حساسية.
كانت الأسرة تعيش في محبة وانسجام. وكان الوالدان يهتمان كثيرًا بتربية صغارهما، يعلمانهم الطيران شيئًا فشيئًا، وكيفية البحث عن الطعام، والتحليق بذكاء وحذر.
وكان الأطفال الثلاثة يستمتعون برحلاتهم اليومية، يطيرون مع والديهم، ويلعبون فوق الأشجار، ويشربون من البرك، ويكتشفون العالم من حولهم.
اليوم الذي تغيّر فيه كل شيء
في صباحٍ مشمس، طار السيد والسيدة غراب مع أطفالهم إلى الحديقة القريبة من القرية.
كانوا جميعًا مجتمعين حول بركة ماء صغيرة يشربون منها ويلعبون في ظل الأشجار، عندما اقترب منهم بعض الأولاد المشاغبين.
كان هؤلاء الأولاد يحملون معهم أقواسًا صغيرة وحجارة، وبدأوا يرشقون الغربان بالحجارة بدافع اللهو واللعب المؤذي.
فزعت الطيور وبدأت تطير في كل اتجاه، تبحث عن الأمان.
استطاع معظم الغربان الهرب سريعًا، لكن سوادي، الغراب الأصغر، أصيب بحجر في جناحه، ثم بحجرٍ آخر على رأسه.
طار سوادي بصعوبة، مرتبكًا وخائفًا جدًا، حتى بدأ ريشه يتحوّل إلى اللون الأبيض من شدة الفزع!
فقد وعيه وهو يطير، وسقط في عش الحمام القريب، الذي كان في أعلى السطح، واختفى عن أنظار الجميع.
ذات صلة:
جدّي الحنون… حكمة من الزمن الجميل
قصة بينوكيو – الصبي الخشبي الذي أصبح حقيقيًا
️ حياة جديدة… وهوية ضائعة
عندما فتح سوادي عينيه، وجد نفسه محاطًا بمجموعة من الحمام اللطيف.
سقوه الماء واعتنوا به، لكن المشكلة أن سوادي لم يكن يتذكر من هو!
نسي اسمه، وعائلته، وحتى صوته تغيّر، ولم يعد قادرًا على النطق بصوت الغربان المعروف.
ظنت الحمام أنه واحدٌ منهم، ولقّبوه باسم “مسخكي”، واحتضنوه كأحد أفرادهم.
مرت أيام كثيرة، كان سوادي خلالها يعيش حياة هادئة وسط الحمام، لكنه كان دائمًا يشعر في داخله بشيءٍ غريب، شيءٌ ناقص لا يعرف ما هو.
في تلك الأثناء، كانت أمه وأبوه وإخوته يبحثون عنه في كل مكان، ولم ييأسوا، بل ظلوا يحلقون فوق الغابة والحقول، يسألون كل طائر عن صغيرهم المفقود.
الأغنية التي أيقظت الذاكرة
وفي أحد الصباحات الهادئة، وبينما كان مسخكي ينظر إلى السماء، سمع صوتًا يُغنّي أغنية حزينة:
“الغرغرة تعرف من هو نائم ومن هو مستيقظ،
أنا أيضًا أفتقد صغيري الغراب،
كان ريشه أسود وعيونه واسعة،
من رآه يخبرني، فأنا قلبه الذي لا ينسى…”
توقف مسخكي فجأة.
شعر بشيءٍ يتحرك بداخله، صوتٌ مألوف، لكنّه لا يعلم من أين…
اقترب من مصدر الصوت، فإذا بها جدة الغراب، أم السيدة غراب، تُنادي بصوتها الحنون.
نظرت إليه الجدة بدهشة، وقالت:
“يا إلهي! غراب أبيض؟! كم يشبه حفيدي سوادي!”
اقتربت منه وشمّت ريشه، ونظرت إلى عينيه جيدًا، ثم صاحت بسعادة:
“إنه هو! هذه نظرة عينيه، وهذه رائحته، لا شك!”
العودة إلى الذاكرة… والبيت
وبينما الحمام ينظر بدهشة، بدأ مسخكي يسترجع ذكرياته، شيئًا فشيئًا…
تذكّر البركة، وتذكّر الحجارة، وتذكّر أمه وأباه، وتذكّر اسمه…
صرخ فجأة وقال:
“أنا لست حمامة… اسمي سوادي! وأنتِ… أنتِ جدتي!”
دمعت عينا الجدة، ودمعت عينا مسخكي.
احتضنته بشدة، والحمام حولهما يصفق بسعادة.
وبعد أن تعافى تمامًا، عاد سوادي مع جدته إلى عش الغربان، وهناك كان الجميع في استقباله:
والده، والدته، طرف أسود، وريشة سوداء… وكل الغربان في القرية احتفلوا بعودته.
ومنذ ذلك اليوم، أصبح الجميع يُطلق على سوادي اسمًا جديدًا:
“الغراب الأبيض”، لأنه كان أول غراب أبيض في تاريخ القرية… وأحبوه أكثر من أي وقتٍ مضى.
تابعنا على Facebook
قم بكتابة اول تعليق