لماذا يختبر البعض ظاهرة “شوهد من قبل” أكثر من غيرهم؟ فهم ظاهرة الـ Déjà Vu من منظور علمي ونفسي
تعرّف على ظاهرة “شوهد من قبل” أو الـ Déjà Vu، أسبابها المحتملة، ولماذا يختبرها البعض أكثر من غيرهم. إليك النظريات العلمية والدماغية التي تحاول تفسير هذا الإحساس الغريب بالألفة.
المقدمة
تخيل هذا: أنت تطوي ملابسك بهدوء، أو تمشي في شارع تعرفه جيدًا، وفجأة، تشعر أنك عشت هذه اللحظة من قبل. ليس مجرد شعور مألوف، بل يقين غريب أنك مررت بهذه اللحظة تحديدًا، رغم أنك تعلم أنك لم تفعل. هذا الإحساس هو ما يعرف بظاهرة “شوهد من قبل” أو Déjà Vu بالفرنسية، وتعني حرفيًا “شوهد سابقًا”.
هذه الظاهرة الغامضة حيرت العلماء والباحثين لعقود، إذ يصعب تفسيرها بدقة، كما أن دراستها بشكل تجريبي أمر بالغ الصعوبة. فما الذي يجعل البعض أكثر عرضة لاختبارها؟ ولماذا نشعر وكأننا نعيش لحظة من الماضي رغم عدم وجود دليل حقيقي على ذلك؟ في هذا المقال، نغوص في أعماق الدماغ لفهم ما نعرفه حتى الآن عن ظاهرة الـ Déjà Vu.
ما هي ظاهرة “شوهد من قبل”؟
“شوهد من قبل” أو Déjà Vu هي إحساس داخلي قوي بأن موقفًا معينًا قد عشته من قبل، رغم إدراكك الواعي بأن هذه اللحظة جديدة كليًا. قد يحدث هذا أثناء حديث، أو أثناء زيارة مكان ما، أو حتى عند رؤية مشهد معين. وعلى الرغم من أن الظاهرة تبدو عشوائية، فإنها تترك أثرًا قويًا على الشخص وتدفعه إلى التساؤل: هل هذا وهم؟ هل هو تنبؤ بالمستقبل؟ أم شيء أعمق يحدث في العقل الباطن؟
اقرأ أيضًا:
10 نصائح أمنية يرغب قسم تكنولوجيا المعلومات لديك في اتباعها
لا يمكن تشغيل ويندوز 11؟ ربما لا يزال يُطلب منك الترقية
7 خطوات لكيفية الخروج من الديون والبدء في ادخار المال
تفسير رؤية الرسالة في المنام بالتفصيل (لابن سيرين والنابلسي والإمام الصادق)
تابعنا على Facebook
من هم الأشخاص الأكثر عرضة لتجربة ظاهرة شوهد من قبل؟
تشير الدراسات إلى أن ما بين 60 إلى 70% من الأشخاص يختبرون ظاهرة الـ Déjà Vu شوهد من قبل مرة واحدة على الأقل في حياتهم. لكنها أكثر شيوعًا بين:
- الفئة العمرية بين 15 و25 عامًا.
- الأشخاص الذين يتمتعون بنشاط عقلي عالٍ، كالمبدعين أو المفكرين.
- من يعانون من نوبات الصرع في الفص الصدغي، إذ يمكن أن تكون الظاهرة مؤشرًا على نشاط كهربائي غير طبيعي في الدماغ.
- الأفراد الذين يمرّون بمستويات عالية من التوتر أو الإرهاق.
- الأشخاص الذين يسافرون كثيرًا أو يتعرضون لتجارب جديدة بشكل مستمر.
النظريات العلمية لتفسير ظاهرة “شوهد من قبل”
رغم أن العلم لم يصل بعد إلى تفسير قاطع لهذه الظاهرة، هناك عدة فرضيات علمية تحاول فهم ما يحدث في لحظة الـ Déjà Vu:
1. الخلل المؤقت في المعالجة الإدراكية
تُشير هذه النظرية إلى وجود عدم تزامن مؤقت بين طريقتين يعالج فيهما الدماغ المعلومات الحسية. فعندما تُسجل حاسة معينة (مثل الشم أو السمع) تجربة ما قبل إدراك بقية التفاصيل، يشعر الدماغ وكأنه يتذكر هذه اللحظة. المثال: تشم رائحة معينة قبل أن ترى المشهد المحيط، مما يخلق إحساسًا كاذبًا بأنك اختبرت هذا الموقف مسبقًا.
2. نقل غير معتاد للذاكرة إلى المدى الطويل
في هذه النظرية، يُفترض أن المعلومة أو الموقف الجديد يُخزَّن مباشرةً في الذاكرة طويلة المدى بدلاً من المرور أولًا عبر الذاكرة قصيرة المدى. بالتالي، عندما تسترجعها على الفور، تشعر وكأنها ذكرى قديمة.
3. نشاط في القشرة المخية الجدارية Rainal Cortex
هذه المنطقة في الدماغ مسؤولة عن تمييز التشابهات. قد تنشط فجأة، مما يولد إحساسًا مألوفًا بدون مشاركة “الحُصين” المسؤول عن تكوين الذكريات الحقيقية. لذا، عند محاولتك تذكر متى وأين رأيت هذا المشهد، لا تجد أي إجابة.
4. خلل كهربائي بسيط في الفص الصدغي
بعض الدراسات المرتبطة بمرضى الصرع أظهرت أن نوبات Déjà Vu تظهر قبل نوبة الصرع مباشرة، مما يشير إلى أنها قد تكون مرتبطة بخلل كهربائي في الفص الصدغي المسؤول عن معالجة الذاكرة والعواطف.
الفرق بين Déjà Vu والظواهر المرتبطة به
- Jamais Vu (جماي فو): هو عكس الـ Déjà Vu، حيث يواجه الشخص موقفًا مألوفًا تمامًا، لكنه يشعر بأنه غريب عليه، وكأنه يمر به لأول مرة.
- Presque Vu (بريسكو فو): الشعور بأنك على وشك تذكّر شيء تعرفه جيدًا لكنك غير قادر على استرجاعه، مثل نسيان اسم شخص تعرفه جيدًا.
هل يمكن للـ Déjà Vu أن يكون مؤشرًا على حالة صحية؟
في الغالب، تكون الظاهرة غير ضارة، لكن في بعض الحالات النادرة، قد تكون مؤشرًا على وجود نشاط غير طبيعي في الدماغ مثل:
- الصرع الزمني.
- اضطرابات القلق أو التوتر المزمن.
- الاختلالات العصبية المؤقتة.
إذا كانت الظاهرة تحدث بشكل متكرر جدًا، وترافقها أعراض مثل فقدان الوعي أو تشنجات عضلية، فمن الضروري مراجعة طبيب مختص في الأعصاب.
العلاقة بين النوم والـ Déjà Vu
قلة النوم قد تضع الدماغ في حالة “تشويش عصبي” تؤدي إلى خلل مؤقت في معالجة الذاكرة، مما يزيد من فرص حدوث Déjà Vu. أيضًا، الأحلام التي تُنسى بسرعة قد تترك أثرًا باطنيًا يظهر عند المرور بمواقف مشابهة في الواقع.
هل هناك أشخاص لا يختبرون Déjà Vu أبدًا؟
نعم، وهناك من لا يتذكرون أنهم مرّوا بها إطلاقًا. الأسباب المحتملة:
- نشاط دماغي غير مهيأ لهذا النوع من التفاعلات.
- قلة الانتباه للمواقف اليومية.
- اختلاف في طريقة معالجة وتخزين الذكريات.
هل ظاهرة “شوهد من قبل” مرتبطة بحياة سابقة أو روحانية؟
في بعض الثقافات، يُنظر إلى Déjà Vu كعلامة على:
- رؤية من حياة سابقة.
- رسالة من العقل الباطن.
- اتصال كوني أو روحي.
رغم عدم وجود دليل علمي على ذلك، تبقى هذه التفسيرات جزءًا من التراث الثقافي والروحي لدى العديد من الشعوب.
هل هناك طريقة لتكرار هذه الظاهرة أو دراستها مخبريًا؟
الجواب القصير: لا. نظرًا لأنها تحدث بشكل مفاجئ وعشوائي، يصعب على الباحثين استدعاؤها في بيئة مخبرية، ما يجعل دراستها تحديًا كبيرًا في مجال علم النفس العصبي.
ما الذي يمكننا فعله عندما نختبر هذه الظاهرة؟
لا شيء محدد فعليًا، لكن من المفيد:
- ملاحظة السياق: ما الذي كنت تفعله لحظة الإحساس؟
- تسجيل الشعور: لتتبعه إن كان متكررًا.
- استشارة طبيب: إذا كان الشعور مفرطًا أو يترافق مع أعراض جسدية.
خاتمة
ظاهرة “شوهد من قبل” تبقى واحدة من ألغاز الدماغ البشري الأكثر إثارة للفضول. قد لا نجد تفسيرًا نهائيًا لها في القريب، لكن فهمنا المتزايد لكيفية عمل الدماغ، ومع التقدم في علم الأعصاب، قد يكشف في المستقبل عن أسرار هذه اللحظات التي تجمع بين الغموض والعجب. حتى ذلك الحين، إذا اختبرت لحظة Déjà Vu، تذكّر أنك لست وحدك، وأن عقلك يخوض تجربة معقدة وساحرة في آنٍ واحد.