في زمن السرعة، يسخر الناس من إضاعتك الوقت بقراءة رواية! ومن خلال التشبثّ بأقلام البعض، ما زالت الرواية تقاوم الغرق في بحر تاريخٍ مضى. تتفحّص الروايات الصادرة حديثاً وتحار ماذا تقرأ، زمن الإبهار ولّى. «قبل صلاة الفجر» عنوان لافت يثير اهتمامك ويدفعك إلى أن تسأل، فتقرأ.
في زمن الانترنت و»الفيديو» المتوافر دائماً لتقديم أيّ معلومة أو خبر بثوانٍ، اضمحلّت نسبة القراءة وسلك الكتاب الورقي طريق الزوال. معرض بيروت العربي الدولي للكتاب الذي أُقيم أخيراً ضخّ عدداً من الاصدارات، التي تساهم في استمرار الحياة الكتابية.
فتح أبواب الماضي
في خانة الكتب الصادرة حديثاً، وجدت رواية «قبل صلاة الفجر» لزينب شرف الدين مكاناً لها في جناح دار الساقي. وهي الرواية الأولى للصحافية التي تعمل في الإذاعة اللبنانية منذ عام 1997.
تتمحور الرواية حول قصّة «نورهان»، الفتاة اللبنانية التي تعود إلى بيروت بعد غياب 12 عاماً لحضور مأتم والدها. عادت من فرنسا إلى لبنان، لتغلق باب قبر الأب، إلّا أنّ الأياّم القليلة التي قضتها بين عائلتها فتحت لها أبواب ماضٍ لم يقبل وعيها أن يعيشه سابقاً. فهل نسيت ما حصل؟ أم أن قلبها رفض تصديق عينيها؟ أو أنّ الصورة المطبوعة في ذهنها حجبت رؤيتها للصورة الواقعية أمامها؟
تبدأ الرواية بسرد مفصّل لردّة فعل نورهان على خبر موت والدها. سرد بطيء تتسارع وتيرته عند وصولها إلى بيروت، فتأخذ الرواية منحىً تشويقياً.
الكابوس في مضجعك
تصل إلى نهاية الرواية، لتظنّ أنها البداية. أبواب كثيرة تُفتح في نهايةٍ ليست إلّا اعتراف ببدايات. تعطيك الكاتبة جواباً على ما حدث بطريقة مزدوجة، مقتضبة لدرجة الوضوح والفجاجة. جواب-صفعة يصرخ أرأيت ما الذي يحصل قبل صلاة الفجر؟
تترك زينب شرف الدين القارئ مع هذا المشهد وترحل، لا تخبره بالخلفيات والأسباب، لا تعطيه أجوبة على تساؤلاته عن أحداث مضت أو عن مصير أيّ من الشخصيات بعد ظهور الحقيقة بعريها الفاضح أمام أعينهم جميعاً. هل من جزء آخر للرواية؟ أم أنّ الكاتبة اكتفت بنقل كابوس بطلة الرواية إلى مضجع القارئ؟ هل دخلت نورهان عمق البحر كي تتطهّر؟ هل ستموت؟ هل رجعت إلى رحم أمّها؟
تقول الكاتبة زينب شرف الدين في حديثٍ لـ«الجمهورية»: «استمعت إلى بطلة الرواية وتركت النهاية مفتوحة على احتمالات كثيرة»، متابعةً «اخترت أن أبقي الخلفيات والأسباب مبهمة كما مصير الشخصيات واكتفيت ببعض الاشارات خلال متن الرواية».
أشياء لا علم لنا بها
عن عنوان الرواية، تعتبر شرف الدين أنّه «عادة قبل صلاة الفجر توجد عتمة، ظلام، سكينة، ونوم وصفاء… ولكن يمكن أيضاً أن تحدث أشياء قبل الصلاة لا علم لنا بها».
وتؤكّد أنّ «الرواية فيها من الحقيقة، لكنها ليست عنّي أو أنّ هذه القصة حصلت معي وإلّا لتحوّلت إلى سيرة ذاتية»، مشيرةً إلى أنّه «لا توجد رواية لا تشبه الكاتب، كلّ الشخصيات تشبهني بشيء ما، كما من الممكن أن تجمع شخصية واحدة في الرواية صفات وقصص شخصيات حقيقية عدّة».
رواية «قبل صلاة الفجر»، وصلت إلى دار الساقي من خلال الصندوق العربي للثقافة والفنون «آفاق»، الذي دعم عدداً من الروايات في إطار برنامج آفاق لكتابة الرواية.
زينب شرف الدين لم تكن تفكّر بنشر أيٍّ من كتاباتها على الرغم من أنها تكتب باستمرار، إلّا أنها بعد عملها مع «آفاق» قرّرت تقديم فكرة روايتها، فبذلك تكتفي هي بالكتابة وهم يقرّرون إن كانت ستُنشر أم لا. اختيرت «قبل صلاة الفجر» إلى جانب 7 روايات لكتاب آخرين من عدد من الدول العربية من بين ما يقارب الـ400 رواية.
خطوة أولى ناجحة
بالاشتراك مع محترف نجوى بركات لكتابة الرواية أقام «آفاق» ورش عمل للكتّاب، ووفّر لهم الدعم المادي، الفكري والنفسي اللازم، كي يكتب كلّ منهم روايته في ظروفٍ ملائمة.
بعد روايتها الاولى تعبّر زينب شرف الدين عن «ميلها إلى كتابة القصص القصيرة»، وتقول «رغم طلب الكثير من القرّاء بأن أكمل رواية قبل صلاة الفجر، إلّا أني لا أفكر بذلك الآن».
بعيداً من معايير كتابة الرواية وأساليبها، من حجمها وأسسها، إن أعجبتك أم لم يستهوِك الأسلوب، «قبل صلاة الفجر» رواية تستحق القراءة. إنها من الروايات التي لا تغادرك من دون أن تترك منها في داخلك. تفتح الأبواب داخل رأسك على أسئلة كثيرة. أن تسأل، إذاً نجحت الرواية.
ارسال تعليق جديد